قصه قصيره معبره
انت في الصفحة 1 من صفحتين
قبل عدة أعوام، وفي شارعنا القديم كان لي جارٌ متحدثٌ لبقٌ، ومستمعٌ جيد، ومحاورٌ هادئ، كان إنساناً اجتماعياً محبوباً ..
في أحد الأيام التقيت به وهو يجهز سيارته ليذهب إلى مكان ما، فأثار استغرابي عدد علب الشوكولا الفاخرة، والموزعة على المقعد الخلفي للسيارة.
ومن باب الفضول سألته: إلى أين أنت ذاهب يا جار؟ فردّ عليّ السلام وابتسم ابتسامةً لطيفةً لم أفهم معناها، قائلاً لي: هل تود مرافقتي؟ قلت: يسعدني ذلك، توجهنا إلى حيٍّ فقيرٍ جداً يبعد عن شارعنا مسافة ساعة إلاّ ربع بالسيارة،حيث أوقف السيارة ونزلنا منها، ثم حمل مجموعة من علب الشوكولا وتوجه إلى بيوت الحي، وأخذ يدق الباب الواحد تلو الآخر، وكلما فتح الباب أولادٌ صغار، يقفزون فرحاً، وينادوا أمهم: إنه الرجل صاحب الشوكولا، فيعطيهم الذي بيده، ويلاطفهم، ثم يستأذن وينصرف.
وهكذا مع باقي البيوت، ولكل بيت قصةٌ ورواية مع جاري!
وما أن انتهينا من توزيع علب الشوكولا ورجعنا إلى السيارة، حتى سألته سؤال المتردد: شيءٌ جميلٌ ماصنعته، ولكن لم لا تعطيهم مالاً؟! أليس أفضل لهم، وبذلك يستطيعون شراء حاجاتهم بأنفسهم؟
الټفت جاري إلى الكرسي الخلفي، وتناول علبة الشوكولا وقدمها لي، وقال افتحها يا دكتور
فتحت العلبة وأنا مترقب، وكلّي شوق لرؤية ما تحتويه العلبة! فإذا بها بالإضافة للشوكولا مغلف مالي، فزادت حيرتي!
فنظر إليَّ جاري وابتسم، وقال: يا دكتور أنا إنسان أحبّ الشوكولا، وآكل منها وأولادي كلّ يوم، والله يقول: { لَن تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنفِقوا مِمّا تُحِبّونَ }، وإني أرجو من ربي ذلك.
يا دكتور، تقديم وبذل الصدقة فن بحدّ ذاته، والفقير يشتهي كما نشتهي! وعلى حسب قدر السلعة يكون مكيالها، فإذا كانت أعمال الدنيا لها وحدات قياسها الخاصة: فالحديد بالطن، والفاكهة بالكيلو، والذهب بالجرام، والألماس بالقيراط، فأعمال الآخرة تقاس بالذرّة{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًاً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
ولذا فقد أردت تغليف صدقتي بما أحب وما تَسعد به نفسي ونفس أولادي، فيكون السرور مضاعفاً والإكرام أكبر وتوصيل الخير أنقى وأصفى.
قصص قصيرة و لها عبرة كبيرة