الجمعة 22 نوفمبر 2024

يتيم في حضرة أمي

انت في الصفحة 1 من 14 صفحات

موقع أيام نيوز

تأملتها كعادتى كل يوم منذ أن جئت الى هذا المكان. تجلس وحدها بعد ان تنهى عملها. في ذلك الركن البعيد الهادئ والذي يبدو أنه ركنها الخاص تنظر الى كأسها في مرارة وكأنها تلومه. تحمله كل ما بقلبها من آلام تظهر واضحة جلية على محياها ثم تتجرعه مرة واحدة و تضعه على الطاولة بعينين تترقرق بالدموع. جذبتنى إليها بشدة. أحسست أن ورائها قصة أو ربما لغزا. تغلب علي فضولي الصحفي لأحسم أمرى لن أظل بعيدا يجتاحنى الفضول لمعرفة قصتها. فملامحها تذكرنى بشخص عزيز على قلبى فقدته من زمن بعيد حتى بهتت تلك الملامح وبقيت الذكرى. ذكرى بعيدة لألم وفراق ربما استطعت ان أساعدها في حين عجزت عن مساعدة عزيزتى بالماضى اقتربت بخطوات بطيئة مترددة حتى توقفت أمامها تماما.

رفعت عيونها إلي. عيون تغمرها الدموع فطرت قلبى حزنا عليها شعرت لوهلة بالصدمة تقبع في تلك العيون ولكنى أيقنت أنى واهم حين وجدتها ترفع يدها وتمسح تلك الدموع ثم ترمقنى بفضول كسول قلت لها بهدوء لا يعكس اضطرابى مساء الخير.
قالت على الفور ودون لحظة تردد عايز إيه إنت كمان
جلست دون استئذان وانا أرمقها بنظرة هادئة قائلا في حزم عايز أعرف قصتك حاسس ان وراكى لغز كبير احكيلى. مش يمكن أقدر أساعدك.
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تعود برأسها للوراء ثم اعتدلت فجأة وهي ترمقنى بابتسامة كسول قائلة ببطئ واضح. مباشر و جرئ. تعجبنى ياأستاذ.
لتصمت للحظة قبل ان تستطرد قائلة وتفتكر هتقدر تساعدنى
ابتسمت وأنا أومئ برأسى مؤكدا لتضطرب دقات قلبى من نظراتها فرغم سنوات عمرى التي تقترب من الثلاثين ورغم أنها تبدو على مشارف الخمسين إلا أن نظراتها المتفحصة قد أشعرتنى بالارتباك والخجل. فملامحها جميلة حقا حتى اننى بدأت أعدل عن قرارى بمساعدتها. و كدت ان أنهض مبتعدا لولا أن رأيتها تشيح بنظراتها بعيدا عنى وهي تنظر الى قنينة الخمر لتسكب منها في كأسها قائلة اممم. وماله ميضرش عايز تسمع حكايتى هحكيهالك بس تسمعنى للنهاية. والأهم بقى هو انك متحكمش علية كفاية علية اللى بقوله على نفسى طول السنين اللى فاتت دى. اتفقنا
أثارنى الفضول بشدة لأومئ برأسى قائلا بلهفة اتفقنا.
تراجعت بظهرها الى الوراء وهي تمسك كأسها بيد بينما باليد الأخرى تمر على حافته قائلة هحكيلك حكايتى من بدايتها. من اليوم اللى باعنى فيه أبويا. كنت بنت صغيرة. حلوة و ساذجة باعها لراجل أكبر منها عنده فلوس كتير وكتب عقد. في الظاهر كان عقد زواج شرعي بتقره الدولة والمجتمع ولكنه في الحقيقة عقد عبودية لرجل سادى بيعمل فية اللى هو عايزه بيعاملنى زي الجارية اللى بتلبى له كل طلباته في أى وقت واى مكان. وان اعترضت على شئ او حاولت أقول رأيي يجلدنى بالكورباج لغاية ماأترمى في ركن من البيت عاجزة عن إنى حتى أفتح عيونى من شدة الألم. اتعودت على عڈابه وقسوته. اتعودت حتى على عقابه هعمل إيه يعنى وهستنجد بمين أبويا اللى باعنى بأرخص تمن ولا أمى اللى لا حول لها ولا قوة مرت الأيام والشهور وحملت منه وخلفت. قلت هيبطل يإذينى بس مبطلش زاد جبروته و قسوته. بدأت أشرب عشان أنسى مأساتى وأتحمل العڈاب. مكفهوش اللى بشوفه على إيديه وإحنا لوحدنا جاب صحابه البيت كمان وبدأو يسهروا ويشربوا وفي النهاية يهينى ويضربنى أدامهم اكتفيت. طلبت الطلاق وكان رده علقة مۏت. ضيعت كل أمل لية في الخلاص وقعدتنى في السرير شهر بحاله عاجزة بعدها بفترة سافر ولما رجع لقيته بيتهمنى بخيانته مع صاحبه وبعدين رمانى في تانى عشان أستعطفه فلقيته مشى مع إبنى سافر. أخده منى لمكان بعيد معرفوش. حرمنى منه.
مش عارفة قعدت أدام بيتنا أد إيه أستنى يرجعوا. أستنى أى إشارة تدلنى على مكانه. لغاية مافقدت الأمل وعرفت إنى خلاص فقدت إبنى للأبد. رجعت لعيلتى فطردونى. روحت لصاحبتى وقعدت عندها قالتلى ان صوتى جميل ولقټلى شغلانة هنا. مغنية زي ماإنت شايف. ومن يومها وأنا أنام بالنهار وأشتغل هنا بالليل أحاول أنسى كل اللى فات لكن اللى فات مبيتنسيش والمرارة فاضلة جوة الحلق.
سالت دموعها وترقرقت دموعى في مقلتي تعاطفا مع تلك السيدة التي عاشت حياتها في
 

انت في الصفحة 1 من 14 صفحات